روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | أبي.. هل تسمع لي؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > أبي.. هل تسمع لي؟


  أبي.. هل تسمع لي؟
     عدد مرات المشاهدة: 2427        عدد مرات الإرسال: 0

اسمح لي يا أبتي بكلمة عتاب أرتقي بها إلى مقامك العالي وأبثها من مكمنك الغالي في نفسي فيكفي أنك الخيمة التي بها استظل والعماد الذي به يقوم أودي.. فهذه كلمة لم أحدثك بمثلها من قبل قط، فمن أنا حتى أقف أمامك؟ وأين شأوي من شأوك؟ سوى أني قطعة منك ولك، وزينة من زينة الدنيا التي استُحفظتَ عليها واستؤمنت.. وإنما اسمي امتداد لاسمك وما أنا إلا ولد صالح يدعو لك! ! أو.. إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح.

إنما أنا قرّة عينك وريحانة فؤادك فهل فكرت يا أبتي في تعاهد تربية ولدك؟ ومن هم أصحابه وخاصته ومن يروح معهم ويغدو؟ وتعلم أن من جالس جانس وحسبك بهذا من تأثير الصحبة سيئة كانت أم حسنة.

ولستُ هنا لأعلمك - حاشاك - ولكن مما رأت عيني من شباب كانت وجوههم تقطر خلقًا وحياءً ودينًا فلما صاحبوا الأشرار صاروا مثلهم فأظلمت وشاهت تلك الوجوه وهانت عليهم دروب المعصية.. ومات فيهم وازع الدين ورادع الضمير وذلك من كثرة الذنوب وإلفها.. وكما يقولون في الأمثال كثرة الإمساس تميت الإحساس! !

أبي الغالي.. هذا ولدك عندك في الصباح والمساء يروح عليك ويغدو ويسرح ويمرح فهل سألته مرة عن صلاته إن كان يحسنها ويعرف شروطها وأركانها وإن كان يقيمها في أوقاتها مع جماعة المسلمين. بل ألا سألته إن كان يصليها البتة وحبيبنا يقول: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}.

هل سألته مره كم يحفظ من كتاب الله؟ ومن قدوته ومثله الأعلى وما هي أهدافه في هذه الحياة وطموحاته! !

وإني لا أعني مجرد السؤال الذي يتصور بعض الناس إن الذمة تبرأ به ولكن أعني متابعة التربية له ومواصلة التعليم الذي لا يمكن أن تقوم بهما المدرسة وحدها إذا لم يكن في البيت عون.

أجل يا أبي مدرستي التي ظننتُ أنك لا تعرف الطريق المؤدي إليها إن كان مشرقًا أو مغربًا. . أليس كذلك؟؟ ومرة بعد مرة جاءك خطاب واتصال هاتفي من المرشد الاجتماعي في المدرسة وهو رجل صالح ذو خلق جمّ أراه أحرص شيء على ما ينفعني. ثم كان ماذا؟.. كأن شيئًا لم يكن! ! 

ثم أحلتَ الأمر على والدتي وكأنها هي التي ينبغي أن ترعى شؤون مدرستي وتعليمي وكأنها هي التي ينبغي أن تخاطب الرجال. فلماذا تتخلى عن مسؤوليتك؟ ولماذا تترك الحبل على الغارب وتحيل أمورنا كلها إلى سائق المنزل؟

ولماذا يعرف السائق عن شؤون أسرتنا أضعاف ما تعرف أنت يا أبي.. أين اهتمامك أين حرصك؟

نعم أنت مشغول وأعانك الله وسدد خطاك ولكن ليس إلى هذه الدرجة! أبي الغالي ألتقط أنفاسك.. هدئ من عجلتك.. وراجع جدولك اليومي والأسبوعي الذي أجزم أنه يحتوي على كثير من الأشياء التي يمكنك الاستغناء بنا عنها. أشياء كثيرة مثل مبالغتك في حضور جلسات الأصدقاء ومشاهدة المباريات الرياضية وغيرها. نحن أولى يا أبي.. نحن أولى بك منهم.

هل تذكر يا أبتي؟.. أتذكر هاك اليوم عندما خرجتُ وإياك من المسجد في جمعة من الجمعات وكلنا قلوب مفعمة بالإيمان الذي أستقر في معتقدنا أنه يزيد و ينقص يزيد بالطاعات وينقص بضدها، وقد هبت لنا رياح السكينة وراحة الطمأنينة التي رأيت فيها عينيك تذرفان من خشية الله ربما لأول مرة! ! ووالله إن ذلك الموقف كان أحب إلي من أغلى جوائز الدنيا وبهارجها وزينتها الغرارة وأحبّ إليّ من كل اللعب التي امتلأت بها غرفتي حتى كدتُ أن لا أجد فيها مكانا لكتاب مفيد.

أبي الغالي.. ألا ليتك تعلم كم أنتظر يوم الجمعة وكم أحبه! ولكن لماذا أحبه ولماذا أنتظره؟؟ لأنه عيدنا نحن المسلمين ولأنه يوم عظيم ولأنه أيضًا ربما كان اليوم الوحيد الذي أحبه فيه الفرصة للتحدث معك وأن أركب بجانبك في السيارة وأحدثك وتحدثني ومعنا أخواي اللذان يصغراني جالسين في الكرسي الآخر.

أبتي أنت لا تعرف قيمة هذه الدقائق التي نقضيها معك.. لا تدري مقدار الفخر الذي نشعر به والاعتزاز الذي يملأ جوانحنا وأنت تعاملنا مثل الرجال وتحاورنا وتلاطفنا وتتجاذب معنا أطراف الأحاديث وأحيانًا نستبق أنا وإخوتي في رسم الابتسامة على محياك العزيز على نفوسنا بذكر آخر الطرف المسلية علها تنال استحسانك وعلنا نظفر منك بلفتة إعجاب أو كلمة ثناء.

وإن أنسى شيئًا يا أبتي، لا أنسى كلماتك الحارّة في الدعاء والثناء على إمام جامع الحي في ذاك اليوم عندما حدثنا في الخطبة عن أهمية تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة صالحة وعن خطر وسائل الإعلام والبث وخطر القنوات الفضائية وبيّن حكمَ الله في تحريم كل وسيلة يغلب الشر فيها على الخير واستدل بالأدلة الواضحة التي لا مجال للجدال فيها، فذكر قول ربنا عز وجل: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، وكيف أن الله تعالى علّق علّة التحريم في الخمر والميسر بغلبة الإثم فيهما على النفع حتى اشتق من هذه الآية العظيمة قاعدة المصالح والمفاسد عند العلماء الفقه وقواعده. ونظير ذلك تحريم كل مالا ينتفع به إلا على وجهٍ محرم غالبًا.

ثم ذكر خطيبنا فيما ذكر قول الرسول:  {ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة}. أقسم لك يا أبي أني أخاف عليك وعلى والدتي من هذا الوعيد الشديد.

وكم سمعتك يا أبي مرات ومرات تقول أنك جئت بهذا الجهاز لمتابعة الأخبار ولكني أؤكد لك نيابة عن إخوتي أننا لا نتابع الأخبار ولا نهتم بالأخبار ولا بما يحدث وراء البحار! !

وأنا أذكر يوم قلت لي بالحرف الواحد عندما سألتك عن حكمه - موافقًا لما قال الشيخ مُثَنّيًا ومُثلّثًا ومؤكدًا - إنه حرام.. حرام.

إذن فما بالك الآن يا أبي تترك لنا الحبل على الغارب تدخل وتخرج من البيت وترانا متحلقين أمام التلفاز في أوقات الصلاة نتابع كل ما يضرّ ولا ينفع ولا نراك تحرك ساكنًا. .

أبي ألا ترى أننا صرنا ننشغل عن مراسم الاستقبال لك والتشييع التي كنا نقوم بها طواعية - شوقًا وتلهفًا - عند قدومك وقبيل مغادرتك للمنزل.

ثم ها إنك ترى آثار هذه الثقافة الغريبة على مجتمعنا وديننا والتي نتلقاها من خلال هذه الشاشة على أشكالنا وأفكارنا، وقد صرنا نقول مالم نقل من قبل ونفعل.. وأنت ترى تأثير ذلك على أخيّاتي الصغيرات أيضًا وعلى حيائهن ولباسهن.. وها هي الروابط الحميمة أخذت تضعف في ما بيننا فليس لدينا وقت نضيعه في الودّ وصلة الأرحام فكل الوقت للشاشة حتى وقت اجتماع الأسرة على الطعام.

من أين يا أبي تظن أننا نتعلم الخير؟ وكيف تريدنا أن نقتدي بأخلاق الرسول وسيرته ونتعلم من سيرة أصحابه وسلف هذه الأمة ونحن نتغذى على عادات الكفار وأخلاقهم صباح مساء؟.. إنك لا تجني من الشوك العنب!

أبي الغالي ونحن نشهد لك على حرصك على أن تستجيب لنا اللباس والأثواب وتستطيب لنا الطعام والشراب وهذا عمل أنت عليه بإذن الله مأجور مشكور ومذكور.

ولكن ألا فكرت في غذاء أرواحنا والإيمان الذي جفّت ينابيعه فينا أو كادت.. وحتى عندما جاءت أمي مشجعة إياك وطلبت منك أخذنا وتسجيلنا في حلقات تعليم القرآن اعتذرت في هاتيك الليلة بأنك على موعد ذي شأن لا يمكن تأجيله.. ثم نسيت الأمر أو شغلت عنه على أهميته لمستقبل فلذات كبدك، وحتى خبت جذوة الحماس عند أمي أو أنها شغلت مثلك أيضًا.

أبي الغالي.. أدعوك إلى أن تتبصر في ما جاء في رسالتي هذه التي تجرأت على مضض أن أكتبها لك وأسلمها بيدي إلى يدك.. وأنا لا أكاد أقدر أن أضع عيني في عينك حياء منك..

أبي الحبيب أين قلبي وقلبك من كتاب الله ومواعظه التي تتفتتُ لها صمُّ الحجارة وتفجر ينابيع الحكمة في نفوس الأبرار؟

 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدّمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون * لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون * لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون أبي وحبيبي.. أرجوك أرجوك أن تتذكر هذه الساعة وتجعلها ماثلة بين عينيك: كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق. .

ألا فاتقِ الله فينا يا أبي وتذكر النذارة.. النذارة.. يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة

 التوقيع.. ابنك المشفق

الكاتب: عبد الرزاق المبارك

المصدر: موقع كلمات